- Advertisement -

- Advertisement -

ورشة تفكير ونقاش حول التكوين الديني والمواطنة

في إطار مقاربة أطروحات، على قدر كبير من الأهمية، من مُنطلق راهنيتها، نظّم “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، وبالتعاون مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية، ورشة تفكير ونقاش، يومي 7 و8 أيار 2021، بعنوان:” التكوين الديني والمواطنة.
في الجلسة الافتتاحية تعاقب على الكلام: رئيس “مركز تموز” د. أدونيس العكره، السيد كريستوف دوفارتس المدير الإقليمي لمؤسسة “هانز زايدل”، وممثلها في لبنان الأستاذ طوني غريب، ومُنسقة أعمال الورشة د. نور عبيد.
أعقبت الجلسة الإفتتاحية ست جلسات عمل، أضاءت على أطروحة الورشة، عبر إثنتي عشرة مداخلة لباحثين أكاديميين في مجال الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم الأديان، ولمشتغلين في المجال التربوي والتعليم الديني. علمًا أن هذه الجلسات تضمنت العناوين الآتية: العقيدة مارد راديكالي يرى بعين واحدة/المواطنية والمرجعية المطلقة/ التكوين الديني والحسّ النقدي/ ترشيد التكوين الديني والتنمية المجتمعية/ تأكيد وظيفة الدين/ مرونة المؤسسات الدينية والقابلية لتخطيط استراتيجي منفتح.

إشارةٌ إلى أن أسئلةً شتى طبعت مسار أعمال الورشة أبرزها:

  • هل ثمة تناقض بين الدين والمواطنة، بل بين الدين ودولة المواطنة؟
  • كيف السبيل إلى إقامة توازن بين المعطى الديني ومُعطى المواطنة؟
  • هل من الممكن الطلب إلى أتباع الأديان التخلّي عن مرجعهم الديني المعياري؟
  • هل التطرف، على خلاف تجلّياته، هو حصيلة أسباب مُتعددة، في عِدادها التعليم الديني؟
  • أيّ قيم ينبغي للمؤسسة التربوية أن تقدّمها لتلامذتها، عبر التعليم الديني؟
  • إلى أي مدى تُساهم سلاسل كتب التعليم الديني في تشكيل اتجاهات إيجابية نحو الآخر؟
Ralph Zgheib – Insurance Ad

.. ولقد تميزت الورشة بمشاركة تفاعلية لمهتمين، لا سيما طلبة جامعيين في مرحلة الدراسات العليا، مما أفضى إلى بيان ختامي، بعناوين/ مرتكزات ثلاثة:

أولاً- في تحديد المفاهيم
أ- عدم لوي عُنق المصطلح – أي مصطلح – وإسقاط المفاهيم عليه بشكل تعسّفي.
ب- إن المواطنة، على رُغم حداثة المفهوم، إذْ بدأ التنظير له منتصف القرن الماضي، فقد كانت لها إرهاصات في الفكر الإغريقي، عبر ارتباطها بنشوء المدينة.
ج- المواطنة، بما هي حق الإنسان في حياة كريمة وآمنة، بمعزلٍ عن جنسه أو عِرقه أو دينه أو موقعه الاجتماعي، تكرّس العلاقة بين الفرد والدولة، بما تتضمّن هذه العلاقة من واجبات وحقوق. وهي، بهذا المعنى، رديف الديمقراطية.
د- ممارسة المواطنة هي التي تعطيها قيمتها التداولية، إذْ بدون ممارستها أو تسليكها- أي جعلها سلوكًا يوميًا- تفرغ من معناها ومن استهدافاتها المنشودة.
هـ- إن الفكر الديني نسّقٌ لا يقبل التجزئة، وبالتالي هو نسقٌ للرؤيا، ينبغي لكل مؤمن، في كل زمان ومكان، أن يتغذّى منها ويُغذِّيها، فينظر من خلالها إلى نفسه، وإلى الله والوجود، وسائر قضايا الحياة.
و- التعليم الديني (بحسب اليونسكو) هو التعرّف الى دين المرء أو ممارسته الروحانية، وتعليم التفاعل بين الأديان.
ز- موت الله، في المنظور النيتشوي، هو إعلانٌ عن موت الميتافيزيقا، ليتربع الإنسان الخارق على عرش الله، الذي تبوّأه ، على مدى آلاف السنين.
ح- المحاذرة في تحوير المفاهيم وعملية توظيفها، فلا يُنظر إلى المصطلحات السياسية على أنها مصطلحات دينية (على سبيل المثال: دار الإسلام – دار الكفر- دار الهجرة..) .
ط- ثمة فرقٌ بين الحداثة والتحديث، فالحداثة تعني إنتهاج العقلانية والارتقاء بالذات الإنسانية، في حين أن التحديث يعني العصرنة واقتناء أدوات الحداثة وتوسُّل آلياتها.
ثانيًا- في الوقائع والرؤى
أ- من أخطر القضايا التي تُهدِّد المجتمعات والأوطان تسييس الدين وتديين السياسة، مما يجعل منهما مُطلقين، يستقيان من معين التعصُّب والتزمت والكراهية ونفي الآخر المختلف، إلى حدّ إلغائه.
ب- ليست المشكلة في التنوّع، أو التعدّدية الدينية للمجتمع، بل في إدارة الدولة للتنوّع وحياديتها.
ج- مشكلة المشكلات عندما يُنظر إلى الدين كهويّة للإنسان.
د- الطائفية هي الظاهرة المَرَضية للطائفة، في مستويات ثلاثة: مستوى عقلي معرفي، يتمظهر في انعدام القدرة على إعمال العقل/ ومستوى عاطفي وجداني، يتمثّل في اندفاع وجداني وفي شدة الانفعال، بما يؤول إلى كراهية مطلقة للمخالف في الرأي/ ومستوى سلوكي، يتجسّد في اندفاع من دون تعقّل، ويميل السلوك دائمًا إلى توسُّل العنف.
هـ- المشترك الوحيد هو العقل وليس الدين، لأننا مختلفون على الدين، وليس ثمة خلاف حول العقل، فهو أعدل الأشياء قِسمةً بين البشر.
و- حين تستوي العلاقة بين الله والإنسان، يتحرّر الدين من غلوائه، ويغدو التكوين الديني عنصرًا فاعلاً في توليد القيم التي تتصّل اتصالاً وثيقًا بمفهوم المواطنة.
ز- إشكالية المواطنة- أو بالأحرى دولة المواطنة- تواجه تحدّياتٍ كبيرة في العالم العربي والإسلامي، أبرزها: الاضطراب الاجتماعي والسلطوي، منذ حصول دوله على الاستقلال وحتى اليوم/الاضطراب في تحديد مفهوم الشرعية والهوية والانتماء الاجتماعي/ هشاشة المجتمع المدني وهامشية دوره/ سياسات التدخل الخارجي (مناطق النفوذ)/ قيام دولة إسرائيل عام 1948.
ح- مفكرو عصر النهضة المسلمون (النصف الأول من القرن التاسع عشر) حاولوا تلمُّس أطروحة المواطنة والدولة الحديثة، من منظور بعض المفاهيم الإسلامية، ومحاولة مصالحة الدين الإسلامي مع الحداثة والحياة الدستورية، بما يُفضي إلى تقييد سلطة الحاكم. وبالمقابل كانت معارضة من قبل التيار التقليدي المتشدِّد الذي اعتبر هذا المنحى تشويشًا على فكرة الخلافة الإسلامية.
ط- مشكلة التعليم الديني في العالم العربي/ الإسلامي هي من نتاج مشكلة التعليم العام.
ي- الأنظمة العربية، بغالبيتها، جعلت من المؤسسات الدينية مؤسسات مشوّهة، لا تؤسِّس لقيام دولة المواطنة.
ك- شكّل التعليم الديني، في الكثير من البلاد العربية، أحد أشكال الهيمنة السياسية، عبر توظيف سياسي ممنهج، مما افضى إلى تنامي التيارات الأصولية.
ل- يبقى التساؤل عن المعلمين المولجين بالتدريس الديني، وعن مدى إعدادهم السليم لهذه المهمة. فهم، في الغالب، يفرضون مواقفهم على تلامذتهم، ولا يشجعون الحوار والنقاش المفتوح. كما أن الكتب، المختصة بالتعليم الديني، لا تستهدف مهارات الطلبة، لناحية التحليل النقدي.
م- البيئة المدرسية، في معظم الدول العربية، هي بيئة استبدادية وقمعية عمومًا، لا تُفضي إلى تطوير الكفاءات المدنية، لدى الطلبة، بل تكبحها وتعمل على تعطيلها.
ن- ليس ثمة خطاب إسلامي رسمي معاصر- إلاّ ما ندر- يتبنّى المواطنة، في عمق التنظير للدولة وللمجتمع السياسي الحديث، أو بالمعنى الذي ينصرف إلى العلاقة السويّة بين المجتمع والدولة.

س- تأسيسًا على ما سبق، ما زلنا، في مجتمعاتنا العربية، في طور مقاربة المواطنة، عبر إلباس مفهومها تحديدات مضطربة، وقت يروح العالم إلى المواطنة العالمية أو الكونية، لا سيما في إطار قضايا التنمية، التي ترعاها منظمات الأمم المتحدة المختلفة.
ع- بما يخص لبنان، فإن واقع التعليم الديني فيه يُمثِّل إشكالية، نابعة أساسًا من إشكالية الكيان اللبناني، ذلك أن الطوائف وُجدت قبل الدولة. بل شكّلت بُنية تأسيسية للدولة. وقد جاءت المادة العاشرة من الدستور لتفتح الأبواب مواربةً أمام هذه الإشكالية.
ثالثًا- في المقترحات والتوصيات
أ- الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، عبر تعاطي النص الديني كنص مفتوح وليس نصًّا مقدّسًا مغلقًا. ولا بد من إستدخال القراءات التاريخية لفك رموز النصوص (التأويل)، وتوسّل علوم الأديان في هذا المجال.
ب- تحديد موقع الدين في المجتمع، باعتباره ظاهرة اجتماعية، بل النظر إليه كإحدى الظاهرات وليس كلها.
ج- الانتقال من سيادة اللامعقول الديني إلى رحابة المعقولية الدينية. ولن يكون ذلك إلاّ بإخراج الفرد- لا سيما الطالب- من ثقافته التحتية (الأسرة- العشيرة- القبيلة- الطائفة) إلى الثقافة الوطنية.
د- انتقال المجتمعات العربية من مجتمعات ما قبل حداثية إلى مجتمعات الحداثة، التي تُقدِّر العقلانية، حقّ قدرها، وتُعزِّز الحسّ النقدي.
هـ- الدعوة إلى حوار الحياة وليس حوار العقائد، إذْ يبقى الإنسان هو الغاية، فصراعنا على السماء يجعلنا نخسر الأرض.
و- ترشيد التكوين الديني، عبر مختلف المؤسسات المجتمعية، لا سيما من خلال الدور الذي تؤدّيه المؤسسة التربوية، في قطاعي التعليم الرسمي والخاص.
ز- دعوة مؤسسة “أديان”، التي أطلقت ” منهج التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع الديني”، منذ سبع سنوات، في سياق الشراكة مع وزارة التربية (لبنان) والمركز التربوي للبحوث والإنماء، إلى استئناف دورها، لا سيما لجهة تعزيز قدرات المعلمين، عبر تدريبات خاصة، مما يُمكنهم من القيام بمهامهم على الوجه الصحيح.
ح- على واضعي سلاسل كتب التعليم الديني أن يضربوا صفحًا، في مقاربتهم القيم، عن الإحالة إلى مرجعية دينية أو مصدر عقيدي، مما يُفقد هذه القيم صفة العمومية وتقبلها من أتباع الطوائف الأخرى.
ط- إن التعليم الديني يجب أن يُشكِّل مشروعًا مجتمعيًا شاملاً مُتوافقًا عليه، من قبل جميع الطوائف الدينية، ومن قبل جميع أطراف المجتمع المدني، ويكون في رأس أهدافه العبور إلى دولة المواطنة.
ي- العمل على إغلاق المعاهد الدينية الخارجة على سُلطة المرجعيات الدينية العليا (الرسمية)، كون غالبيتها تُعِدُّ مجموعات مُتطرّفة، تُشوِّه وجه الدين وتفضي إلى الإرهاب، بمُختلف صوره وأعراضِهِ.
ك- في إطار حوار الأديان، لا بد من تفعيل النداءات والإعلانات والوثائق، التي أعلنتها مرجعيات دينية عالمية، وإعادة الاعتبار والحياة إليها، فلا تبقى حبرًا على ورق، وآخرها “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، التي تمّ توقيعها في 4 شباط 2019، بين قداسة الحبر الأعظم فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف د. أحمد الطيب، في أبو ظبي، لما لذلك من منعكسات إيجابية على العلاقة بين المسيحية والإسلام، وعلى مسائل كثيرة، في عِدادها التعليم الديني القيمي.
ل- إن دولة المواطنة لا تقوم على البنى الفوقية فحسب- والتعليم الديني القيمي إحدى هذه البنى- بل ينبغي قيامها على بنى تحتية صِلبة، في عِدادها: الأوضاع الاقتصادية التي توفّر كرامة العيش، وتلبية حاجات المواطنين التعليمية والخدماتية على خلافها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد