- Advertisement -

- Advertisement -

سعادة طنّوس سعادة / بقلم : الشاعر غانم اسطفان عاصي

سعاده طنّوس سعاده

السافك عمره،عطرا للشأن العام

كلّما ودّعنا رمزا من رموز ضيعتنا،ووجها من وجوه أصالتنا وكنزا من كنوز عراقتتا،كلما تفتّحت براعم الحنين في أزاهير الزمن الجميل ،وأقبلت الأقلام على التعبير بأحرف من مجد سُطّرت بين ضلوع كتاب الزمان،وتضمّنت حكايات عزة وعنفوان ومسيرات بناء وعمران.
وكلما طوينا صفحة مضيئة من تاريخ ضيعتنا،كلما أشرقت صفحات وصفحات من الذكريات الحلوة على دروب أيامنا.
وإذا كان من نودّع،من الأشخاص الفاعلين والمميّزين،وقد تكون العلاقات معه قد شهدت مدًّا وجزرًا أو خلافًا ووفاقًا،فإن أصدق المعاني هي التي تطلع من الأعماق ساعة الفراق،ولأنني ما انصعت يوما للمبالغة وما انجرّيت الى التملّق وما عملت على”تحميل ضميري..”وكعادتي لا أشهد ألا بالحق وان إنزعج أعداء الحقيقة.
وكم تتهيّب الوقفة وتخشع الكلمة في حضرة الموت!!!
فعلى أجنحة هذه المشاعر أطير اليكم،بما يخطر في بالي ويسرح في خيالي،وبما تستحضره مفكّرتي،ويطلّ من نافدة ذاكرتي،فيسيل من يراعي،لينسكب علىطاولة آمالي،مما يدفعني الى وشم الكلمات في الآذان، وإلى رسم اللّوحات أمام الأعْيُن،ثم أعود لأستريح على ضفاف الفراق وأنا أسكر من كأس الإشتياق”. وأروح أتأمل في شخصيّة غادرتنا إلى حضن الآب، متألّمةً في دنيا الإغتراب ألا وهي الأستاذ سعاده ظنوس سعاده.
سعاده طنوس سعاده
إنه ذلك الشاغل زمانه والمالىءمكانه وهو عاشق الرياضة وساكنها،ولم يعبر فوق جسر هذه الحياة عبورًا خاطفًا وعاديًّا،بل عبورًا منتجًا ومثمرًا ومعطاءً،وكما قال أفلاطون:'”الحياة منفى قصير ليس المهم أن نعيش بل أن نعيش جيّدا ..”
وقضى الأستاذ سعاده في الوظيفة سحابة عمر ممهور بالخدمة والتضحية ومُعَنٌوَن بالنشاط وتسهيل أمور الناس ،وكان بذلك هو السافك عمره عطرا للشأن العام.
وفي خِضَمّ هذه الأيام الصعبة، وفي أوج هذه الظروف القاتمة نستذكر الراحل،ونحفظ له سعيه لتامين اللازم من مساعدات لأهله،ومن منا ينسى تلك الرزمة ‘الحرزاتة ” من المساعدات إبّان الحرب الأليمة. والتي تم توزيعها بالتساوي والتوازي
و تحت آشرافه كهدية من شعب العراق الصديق.
وحضر الريس سعاده في زمن السلم كما كان حاضرًا في زمن الحرب. وكان في سبيل تقدّم ضيعته للرّاية رافعًا ، وفي عالم الإجتماع للشمل جامعًا ، وفي الملاعب نجمه ساطعًا وفي مجال الإدارة وضّاءًا ولامعًا وفي حقل الريّاضة لاعبًا بارعًا.وكان لنا ولوالدنا شرف مرافقته وزمالته سواء في نادي حصارات أو في مشروع بناء الكنيسة.
فغريب أمر هذا الإنسان الذي طالما سابق الصغار كما الكبار إلى إلقاء التحيّة.
وعجيب أمر هذا الرجل الذي واجه الخصومات التقليديّة على طريقته الإنسانيّة.
وطيّبٌ ذلك المرء الذي لا تفارقه الإبتسامة السنيّة الفائحة من روحه الغنيّة.
جميلٌ وجميلٌ ذلك الوقور الذي يفرض إحترامه دون أن يتسوّله في زحمة المصالح الآنيّة .
رائع هو سعاده الذي زرع بصماته حيث عبر أو وجد أو سكن وخاصة في بيئته الحصاراتيّة.
ففي كلّ مناسبة يُدعى أو يدعو إليها،يسكب القول الرّصين من مُعين خاطره ومن ذوب عواطفه ومن عصارة أفكاره بعفويّة أدائه وسموّ وفائه.
ومن لا يُصوّت له لا يستطيع إلّا أن يُصغي لصوته.
ومن يخالفه الرأي لا يقدر إلّا أن يحترم رأيه.
ومن يحاول تجاهله ينجذب بسحرٍ إلى مقاربته.
لقد حفر الأستاذ سعاده بما حباه الله من وزنات أعمق العبارات على جذوع أعمارنا وزرف أغزر العبرات على خدّ وجداننا.
فبالله عليكم! آتوا ليَ اليوم به وبأمثاله من الذين يزيّنون الساحات ويجمّلون الواحات ويضمّون المساحات ويحقّقون النجاحات ويبنون الملاعب والباحات.
رئيس النّادي سعاده سعاده:
على هذا السجع المحبّب وعينا، وإلى التعاون معه سعينا،فعاش النادي في عهود رئاسته نهضةً رائدةً، بلغ ما بلغه من شهرة وتطوّر، فمن ملعب ترابيّ في “جلالي” الضيعة إلى ملعب كبير في مقرّ جديد تمّ شراؤه ،ومن غرف صغيرة في بيوتات الأعضاء إلى مركز لائق على أرضه ،وتحقّق حلم الملعب المقفل والذي كان هو الأوّل في بلاد جبيل، وانطلقت الدورات المهنيّة المجانيّة بالتعاون مع جمعيّة الشبّان المسيحيّة وبمسعى منه وأُقيمت الإحتفالات وأُحيت المهرجانات وحصلت اللقاءات وتمّت المحاضرات وأُجريت المباريات الدوليّة وكلّ ذلك في ظلال مشورته ، وبروح العونة ومبدأ التعاون. وما زالت تعشّش في البال صورة زحْف أهل القرية بحماستهم المعهودة وبحضور كبار القوم لتشجيع الفريق الريّاضيّ في كلّ مباراة يشارك فيها وعلى أرض كلّ نادٍ قريب أو بعيد، وهذا ما جعل الجمعيّة العموميّة تمنحه الرئاسة الفخريّة وإنه لمستحقّها.
كما شهد له تضامن أندية بلاد جبيل وهو أحد مؤسّسيه.وولج عضويّة الإتّحاد اللّبناني للكرة الطائرة ،وطالما تلاقى أعضاء الإتحاد على أرض نادينا وكان الريّس سعادة بالتعاون مع الإدارات المتعاقبة يُقيم الولائم الشاهدة على حسن الضيافة والناطقة بنكهة الإستقبال، وكما تعاون مع مؤسّسي النّادي في مراحله الأولى ومنهم المرحوم والدي إستمرّينا في التعاون معه في مراحل لاحقة وفي النّادي كما في الكنيسة.
سعاده سعاده إبن الكنيسة هو:
وتشهد له تلك المرحلة التأسيسيّة لمجمّعنا الرعويّ بإنجازه وإتمامه لكافّة الإجراءات اللّازمة وخاصّة المعاملات العقاريّة ، وقد استنفذ منه ذلك كلّ الوقت والجهد والمتابعة.
وحمل النشاط والحماس هذا العضو الفاعل في لجنة بناء الكنيسة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة وهنالك سعى إلى إحياء سهرة للمغتربين “الحصاراتيين” وعاد ريعها لبناء الكنيسة وعاد بذلك الرّيع، الأمين على القليل وعلى الكثير.
كما أنّه لم يغب أو يتغيّب يومًا عن سهرة أو إحتفال لا بل كان بدماسته ولياقته وبذوقه وتهذيبه يعطّر صفوف الإستقبال للوفود الملبيّة والمتبرّعة.
سعاده سعاده أوّل الساعين الى الإتيان بمرسوم إنشاء البلديّة هو:
ولست أبوح بسرٍّ،والتاريخ يتكلّم، على أنّني كنت على خلافٍ وتباينٍ في وجهات النظر معه حول هذا الموضوع ،حيث كان يعتبر أنّ البلديّة ستدفع إلى عمران القرية، كما ستتكفّل بنهضتها، أمّا وكنت أعرف ذلك، فقد سكنني التخوّف من سيطرة العائليّة والعنعنات المحليّة وتغلّب العدديّة على النوعيّة وإنحياز معنى البلديّة عن المبادئ الأساسيّة، فنثبت بذلك أنّنا أصغر من الديمقراطيّة. وحصل ما حصل !!! وكان المجلس البلديّ الأوّل بعد أن تهافتت قافلة من المرشّحين، منهم من لا تاريخ له أو من لا يدًا له في العمران ومن لا خبرة له في الشأن العام ومن يفهم المركز وجاهة لا خدمة….. ومنهم من لديه الخبرة والتاريخ والإختصاص والإندفاع إلى الخدمة….. .
في حين انكفأ بعض المؤهلين والكفوئين خوفًا من السقوط في غياهب الخصومات التقليديّة والأكثريّة العدديّة، وكانت تلك الفسيفساء غير القابلة للحياة! وكانت تلك الأصوات التي لا تليق بتاريخ من نالها! ووقف الريّس سعادة حائرًا ومتسائلًا ومتأمّلًا ومن ثمّ محاولًا الإنطلاق في العمل، وكان ما كان وحُلّ المجلس البلديّ ودُعيَ إلى إنتخاب جديد ،وجاء القدر بالثّورة، وطار التصويت، وطار الريّس سعادة إلى غربته، ليرافقنا اليوم من عليائه.
سعاده سعاده صديقٌ وفيٌّ للعائلة هو:
ولكم كنت أرافق الوالد صغيرًا إلى تلك الإجتماعات واللّقاءات المتعلّقة بالنادي، التي كانت تُعقد في بيوتات الأعضاء ومنهم الأستاذ سعاده، كما في محلّات والدي التجاريّة حيث حُفظت السجلّّات لفترة طويلة.
ويوم أردت أن أزيد على بناء المحلّ، وكان أن نمى إليّ البعض أنّ الأستاذ سعاده سوف يعترض عليّ، وهو الذي تملك عائلته عقارًا مجاورًا، وما إن إتّصلت له حتّى بادرني :”إنتْ عم بتعمّر بأرضك الله يعمّر معك وشو بتعوزني أنا جاهز….” ولم أتفاجأ لأنّني على يقين أنّ الذي يكون واسعًا في فكره لا بدّ من أن يكون واسعًا في ملكه .
ولمّا كان والدي على فراش الموت، أنجز الصديق سعادة كامل المعاملات المتعلّقة بالوالد ولبّى مطلبه قبل أسبوع من رحيله، واصطحبه كما نحن إلى سراي جبيل وتمّت عمليّة نقل الملكيّة إلينا.
وبقيَ الريّس سعاده يزور دارتنا في كلّ مناسبة، ويسألنا آراءنا عند كلّ استحقاق فنكبر بزيارته ويكبر بزيارتنا….
أمّا يوم توقيع كتابي “وجوه وكلمات” فكان من أوّل المشاركين وهو العاشق للكلمة والمقدّر لأهل الفكر والمفاخر بأبناء ضيعته .
وماذا بعد! وما بال هذا الزمن السقيم؟يطال بقدره هذا الوجه الكريم حيث تعب ذلك القلب الكبير بعد عناء يسير ووسْط حزنٍ كثير وهو إبن عائلة عريقة من قريتنا أعطت رجالات يشهد لهم الشأن العام ويتباهى بهم الحقل الثقافيّ ويحلّقون في عالم الإغتراب.
هي تلك العائلة التي تربّت في كنف والدين لبنانيّين أصيليْن وقد خسرت من خسرت من أفرادها،وخلال أقلّ من عام قد ودّعت أربعة منهم.
كما أسّس الراحل عائلة مميّزة مع زوجته الوفيّة طالما تباهى بها وإن حملتها رياح الغربة العتيّة اليها وخسر هناك أحد أصهرته.
وأخيرًا توقّف القلب عن الخفقان وسلامة القلب أقصر الدروب إلى قلب الله:”طوبى لأنقياء القلوب…”.
وأخيرًا نزف هذا القلب الذي سكن الوطن والوطن سكنه في بعاده عن هذا الوطن وكأنّي به يوصي مع الشاعر :

Ralph Zgheib – Insurance Ad

يا بني قومي إذا حضرت ساعتي والطبّ أسلمني

فإجعلوا في الأرز مقبرتي وخذوا من ثلجه كفني

إستاذ سعاده:إن لم يكافئك بعض البشر على عطاءاتك وخدماتك وتضحياتك …وقد نكون نحن منهم،فإنّ الله وحده هو الذي يكافئ.
وسأبقى أحفظ لك في بالي أروع الصور وسأبقى أردّد لك من أعماقي أعمق العبر وسأبقى أكنّ لك في قلبي أصدق معاني التقدير.
طيّب الله ثراك وخلّد ذكراك وسكب بلسم العزاء على قلوب أهلك والأصدقاء. غانم إسطفان عاصي و في ٢٠٢١/٨/١٢

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد